منذ 10 أشهر كان الحديث الدائم فى وسائل الإعلام أن مصر ليست تونس .. و أثبتت الأيام أن مصر أم تونس .. وملهمة العالم .. وكانت ثورة تونس الفتيل الذى أشعل قنبلة ثورة مصر .. والتى تناثرت ثوريتها فى شتى أنحاء المنطقة بل والعالم.
ولكن الحال قد يختلف فى أثناء المرحلة الإنتقالية ففى حين التخبط المصرى الواضح وحالة الإستقطاب المبالغ فيها والتشرزم الحادث فى الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية فى مصر, وضعت تونس لنفسها خارطة طريق مثالية بعد بعض إشكاليات وإختلافات بين الفصائل السياسية, وكانت القواعد كالتالى:-
1- انتخابات لمجلس تأسيسى للدستور - ويقوم بدور البرلمان المؤقت لمدة 6 شهورحتى يتم الإنتهاء من الدستور.
2- الإنتخابات تكون بنظام القائمة النسبية المفتوحة بنتسبة 100% وعلى أن تكون النساء 50% من المجلس (انتصارا لكون المراة 50% من المجتمع).
3- وقف تام لكل أعضاء حزب التجمع (حزب بن على المجمد) ومنعهم من ممارسة السياسة 5 و10 سنوات.
4- حق تصويت التونسيين بالخارج (عن طريق إنتخاب أفراد يمثلون كل جالية)
5- المجلس سيشكل حكومة مؤقتة تدير البلاد لحين عمل انتخابات برلمان بعد التصويت بالموافقة على الدستور المزمع كتابته.
واليوم بعد أن أكملت تونس عرسها الأول .. بإنتخابات وصفت بأنها الأنزه فى التاريخ وبنسبة إقبال 90% من المسجلين و40% من الكتلة التصويتية وكانت النتائج الإجمالية الأولية كالتالى:-
1- فازت قوائم حزب النهضة (إخوان تونس) ب 40% من الأصوات .. بما فيها اصوات التونسيين فى الخارج (يلاحظ أن معظم التوانسة المغتربين فى أوروبا)
2- فازت قوائم المؤتمر من اجل الجمهورية (وسط يسار) ب 15 %.
3- فازت قوائم التكتل (يسار وسط) بأكثر من 10%.
4- فاز القطب الديمقراطى الحداثى (يسار معتدل) بأقل من 10%
5- فازت قوائم الحزب الديمقراطى التقدمى (يسار معادى للتيار المحافظ = تيار النهضة) على 10% فى مفاجأة مدوية حيث أن التوقعات كانت تشير إلى منافسة هذا الحزب تحديدا للنهضة.
6- فوز ائتلاف العريضة الشعبية (وسط - محافظ) ب 10% من الأصوات وسط مفاجئة نظرا لأون مؤسسه الملياردير الهاشمى الحامدى كان منضما للنهضة وانفصل فى التسعينات وهو متهم بالتطبيع مع نظام بن على.
7- لم تحصل الأحزاب الشيوعية اللينينية والماركسية وكذلك جميع الأحزاب المتشددة او المتطرفة من مختلف الايدلوجيات سوى مقعدين.
و فى ضوء تلك النتائج ..لى بعض الملاحظات أرجو أن تشاركونى فيها:-
1- كان طبيعيا ومتوقعا أن يفوز حزب محافظ = تيار اسلام سياسى= حزب الإخوان بهذه النسبة نظرا لهذه الأسباب:-
1.1- تونس دولة اسلامية عربية محافظة رغم كل محاولات النظام السابق فى سلخها من هويتها القومية والدينية وحظر مظاهر التدين من الحياة السياسية والإجتماعية طوال فترة حكمه, وكان لزاما على الشعب أن يعبر عن هويته الحقيقية عن طريق صندوق الإنتخابات.
1.2- انفراد حزب النهضة كممثل وحيد للتيار المحافظ فى تونس (فى مصر مثلا توجد تيارات سلفية متعددة وصوفية وجماعات إسلامية و جهادية), وهو ما اتاح للنهضة حصد كل اصوات المحافظين فى تونس.
1.3- قيادات حزب النهضة عاشت مضطرة فى اوربا ووقعت أعينها على مميزات الدولة المدنية وارائهم بصفة عامة اكثر مرونة من مثيلاتها فى باقى الدول العربية ومنهم مصر.
1.4- كما ان التيارات السلفية قليلة جدا - خصوصا وان التوانسة لم يتواجدوا فى الخليج بشكل كبير كالمصريين فلمك يعودوا متشبعين بأفكار سلفيه (السلفية بمعنى القريبة من الوهابية) إلا ان لديهم حزب التحرير (حزب اسلامى وحدوى وجهادى ويوجد ممثلين له فى كل دولة ومنهم فلسطين ومصر, وهو محظور اساسا) مارسوا بعض العنف فى مواقف بسيطة وعددهم لا يذكر ككتلة تصويتيه سياسية.
1.5- واضح أن الناخب إتجه أيضا للأحزاب الوسطية اليسارية (ودا منطقى جدا من بلد عانى سنتن طويلة من الرأسمالية المتوحشة و البنك الدولى) .. ودا طبعا انحيازا من العمال والفلاحين (ذوى النقابات القوية والوعى السياسى العالى) فى تونس لمصالحهم التى عادة ما ترتبط بالعدالة الإجتماعية والتمكين التى ينادى بها او بعلى مقامها اليسار.
1.6- كما يلاحظ تجاهل كبير جدا للتيار الليبرالى- الرأسمالى ودا بسبب إن اولا معظم فلول حزب التجمع (حزب بن على) كانت ليبرالية واتمنعت من العمل. وثانيا ان الشعب كره الليبرالية المتوحشة.
1.7- عاقب الشعب التونسى الحزب الديمقراطى التقدمى لأنه عادى التيار المحافظ (تم إعتباره حزب علمانى متطرف لمعاداته للتيار المحافظ , وهذا درس لحزب مثل حزب المصريون الاحرار لدينا, ولكن هذا سكون فى مقالة اخرى بإذن الله)
1.8- هذه النتيجة مرضية لكل الأصوات المعتدلة (التيار الرئيسى المعتدل) فى تونس لأنها لم تمكن اى حزب من الإنفراد بالسلطة وتشكيل حكومة خاصة بحزبه فقط وهو ما تحتاجه تونس من تكاتف كل الجهود فى هذه المرحلة الإنتقالية الصعبة.. لأنها تلخيصا جائت كالتالى:-
- 40% تيار محافظ معتدل (النهضة)
- 45% تيار وسط و يسارى معتدل فى أغلبه.
- 5% تيار منوع =ليبرالى ومستقلين يميل للعلمانية فى أغلبه.
- 10% للفلول (العريضة الشعبية)
(رغم انه يقدم نفسه كتيبار محافظ توافقى إلا أن التونسيون يعتبرونه من احزاب الفلول خصوصا بعد تقديمه رشاوى انتخابية واستخدامة قناة المستقلة المملوكة لصاحب الحزب للترويج الانتخابى بالمخالفة للقانون التونسى)
مستقبل تونس :-
==========
# الأصوات الإنتخابية مقسومة بالنصف تقريبا بين التيار المحافظ المعتدل و اليسارى المعتدل .. مما يبشر بظهور قطبين كبيرين فى وقت قريب (كل الديمقراطيات العريقة تندمج فيها الاحزاب ليتواجد حزب يمينى قوى واخر يسارى قوى يمارسان لعبة شد الحبل للحصول على اصوات الناخبين وهو مفيد جدا لاى دولة)
# يبقى ان اذكر ان حزب النهضة يسعى للتحالف مع حزبى المؤتمر (المتحالف معه اصلا)والتكتل لعمل حكومة باغلبية برلمانية ب 70% من مقاعد البرلمان وسط معارضة (30% من تشكيلات غير متجانسة محافظة ويساريةوعلمانية وليبرالية ومستقلة)
# وبالتالى احتمال ان تتحالف القوى الاشتراكية مع العريضة لتشكيل الحكومة غير وارد رغم انه حسابيا يكفى لعمل حكومة بنسبة اكبر من 50% من مقاعد البرلمان ..
# ملحوظة ضاحكة : محافظة سيدى بوزيد مهد ثورة تونس ومهد ثورةات الربيع العربى اعطت اغلبية كبيرة جدا لحزب العريضة (الفلول) !!
#رغم ان الديكتاتور الهارب حاول المستحيل لعلمنة تونس بنموذج كان اسوء بمراحل من علمنة تركيا!! .. لكن العروبة والإسلام فى قلب بلد الحضارة تونس كان مخزون استراتيجى استرده وقت الحاجة
ما اجمل انتخابات تونس .. وما اجمل وسطية تونس .. ويارب مصر تبقى زى تونس , ولكن هذه قصة اخرى فى مقال أخر ان شاء الله
وسطية وحداثة الإسلام هى الحل !!